فشل اتفاق أوسلو وأثره على القضية الفلسطينية: دراسة تحليلية لكتاب "من النهر إلى البحر" لماندي تيرنر

الإثنين, 22 سبتمبر, 2025 07:27 مساءً
فشل اتفاق أوسلو وأثره على القضية الفلسطينية: دراسة تحليلية لكتاب "من النهر إلى البحر" لماندي تيرنر

تفاصيل الخبر

فشل اتفاق أوسلو وأثره على القضية الفلسطينية: دراسة تحليلية لكتاب "من النهر إلى البحر" لماندي تيرنر

بقلم: رامي شفيق 

يمثل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي واحداً من أكثر النزاعات تعقيداً في العصر الحديث، إذ يمتد تاريخياً منذ منتصف القرن العشرين ويشمل أبعاداً سياسية واجتماعية واقتصادية ودينية عميقة. وقد حاولت العديد من المبادرات والاتفاقيات الدولية التوصل إلى حل سلمي لهذه الأزمة، وكان اتفاق أوسلو في أوائل التسعينيات من أبرز هذه المحاولات، حيث وعد بإقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب العدو الإسرائيلي وخلق أفق جديد للسلام في المنطقة. ومع ذلك، يوضح كتاب "من النهر إلى البحر: فلسطين وإسرائيل في ظل السلام"، تحرير الباحثة ماندي تيرنر، أن اتفاق أوسلو لم يحقق هذه الأهداف المعلنة، بل ساهم في ترسيخ هيمنة الصهيونية على الأراضي الفلسطينية وتوسيع السيطرة على الموارد الحيوية والسياسات الداخلية، مما أدى إلى فشل عملية السلام على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ويستعرض الكتاب، من خلال مساهمات عدد من الباحثين العرب والأجانب، ديناميكيات القوة في المنطقة ويحلل العقبات التي تحول دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة، مع التركيز على تأثير السياسات الدولية والتدخلات الخارجية.

اتفاق أوسلو، الذي تم توقيعه بين منظمة التحرير الفلسطينية والعدو الإسرائيلي، كان يهدف إلى وضع إطار سياسي يضمن تحقيق السلام الدائم في فلسطين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب الاحتلال، من خلال تبادل الاعتراف المتبادل ونقل سلطات محددة إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، بالإضافة إلى ترتيبات مؤقتة حول الأمن والحدود. ومع ذلك، تشير تحليلات الكتاب إلى أن أهداف أوسلو الرسمية لم تُنفذ عملياً على الأرض، وأن الاتفاق أتاح للصهيونية فرصة تعزيز سيطرتها على الأراضي الفلسطينية وتوسيع المستوطنات. ويعتمد الكتاب في تحليله على مفاهيم مثل الاحتلال، الهيمنة، حقوق الإنسان، وعملية السلام، مع التركيز على أن الصراع مرتبط بالديناميكيات الإقليمية والدولية، حيث لعبت القوى الكبرى أدواراً مزدوجة بين دعم اتفاقيات السلام والتغاضي عن الانتهاكات الصهيونية، وهو ما ساهم في استمرار عدم التوازن في القوة وتعميق الهيمنة الاقتصادية والسياسية للصهيونية.

أوضح الكتاب أن التباين بين أهداف أوسلو والواقع على الأرض كان واضحاً، إذ لم تُترجم الاتفاقات المعلنة على الأرض عملياً، واستمرت الصهيونية في الاحتفاظ بالسيطرة على المستوطنات والمناطق الاستراتيجية في فلسطين، مما أدى إلى فقدان الثقة بين الفلسطينيين والمجتمع الدولي. كما أثر الاحتلال على حياة الفلسطينيين اليومية من خلال فرض قيود اقتصادية وأمنية، وتسبب في توترات اجتماعية وسياسية متزايدة، إضافة إلى الانقسامات الداخلية بين الفصائل الفلسطينية، مثل فتح وحماس، التي أعاقت تنفيذ الاتفاق وأضعفت الموقف الفلسطيني في المفاوضات. وعلى الرغم من دعم المجتمع الدولي المعلن للسلام، فإن غياب الرقابة والضغط الفعلي على الصهيونية أضعف مصداقية الاتفاق وأدى إلى إحباط واسع لدى الشعب الفلسطيني.

السيطرة الصهيونية شملت أيضًا الموارد الطبيعية والبنية التحتية في فلسطين، بما في ذلك المياه والطاقة والأراضي الزراعية، مما أثر على الاقتصاد الفلسطيني وجعل السكان أكثر اعتماداً على اقتصاد العدو، وزاد من هشاشة البنية الاقتصادية. وقد انعكس الاحتلال على المجتمع الفلسطيني في ارتفاع معدلات البطالة والفقر، وصعوبة الوصول إلى المدارس والمستشفيات بسبب الحواجز العسكرية، وخلق بيئة من التوتر النفسي والاجتماعي وزيادة حالات الصدمات النفسية. كما تسبب توسع المستوطنات وتهجير العائلات الفلسطينية في تغييرات ديموغرافية وسياسية، مع تعزيز النفوذ الصهيوني على المؤسسات الفلسطينية والإدارية، وهو ما حد من قدرة الفلسطينيين على اتخاذ قرارات مستقلة وأضعف احتمالات إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

من الناحية النقدية، يؤكد الكتاب أن عملية السلام كانت "سلاماً مزيفاً"، هدفه تكريس الهيمنة الصهيونية وتقليص الحقوق الفلسطينية، وهو ما تتفق معه دراسات أكاديمية أخرى حول فشل أوسلو، واستعمال المستوطنات كأداة للهيمنة، والتحديات الدولية، مع اختلاف تفسير الأسباب الداخلية لفشل السلام. ومن الدروس المستفادة أن أي عملية سلام مستقبلية تحتاج إلى الالتزام الفعلي ببنود الاتفاقات، ومعالجة عدم توازن القوة بين الطرفين، وتفعيل دور المجتمع الدولي في مراقبة التنفيذ وضمان الاستقرار. كما يبرز البحث أهمية التحليل النقدي لفهم أسباب فشل الاتفاقيات واستخلاص توصيات عملية لتسوية عادلة وشاملة.

في الختام، يوضح البحث أن اتفاق أوسلو فشل في تحقيق أهدافه، وترسخت السيطرة الصهيونية على الأراضي والموارد الفلسطينية، وأضعف قدرة الفلسطينيين على ممارسة حقوقهم الوطنية والسياسية. كما يؤكد أن الفجوة بين النصوص الرسمية والتطبيق العملي، إلى جانب الانقسامات الداخلية والدور الدولي غير الفعال، كانت عوامل رئيسة في استمرار الأزمة. وتبرز النتائج الحاجة إلى الالتزام الفعلي بالاتفاقات، ومعالجة اختلال القوة بين الطرفين، وتعزيز دور المجتمع الدولي لضمان تطبيق أي اتفاقيات مستقبلية، مما يشكل مساهمة مهمة في فهم العقبات الحقيقية لتحقيق سلام عادل وشامل في فلسطين.

-المراجع:
- ترنر، ماندي. (2024). من النهر إلى البحر: فلسطين وإسرائيل في ظل السلام. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

- مصادر أكاديمية إضافية لدعم التحليل حسب الحاجة (كتب ومقالات حديثة عن اتفاق أوسلو والصراع الفلسطيني-الإسرائيلي).


الصور


مشاركة: